فصل: تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا‏}‏ وَهَذِهِ السُّورَةُ أَنْزَلْنَاهَا‏.‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَبْتَدِئُ بِالنَّكِرَاتِ قَبْلَ أَخْبَارِهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ جَوَابًا، لِأَنَّهَا تُوصَلُ كَمَا يُوصَلُ الَّذِي، ثُمَّ يُخْبَرُ عَنْهَا بِخَبَرٍ سِوَى الصِّلَةِ، فَيُسْتَقْبَحُ الِابْتِدَاءُ بِهَا قَبْلَ الْخَبَرِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْصُولَةً، إِذْ كَانَ يَصِيرُ خَبَرُهَا إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا كَالصِّلَةِ لَهَا، وَيَصِيرُ السَّامِعُ خَبَرَهَا كَالْمُتَوَقِّعِ خَبَرَهَا، بَعْدَ إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا بَعْدَهَا، كَالصِّلَةِ لَهَا، وَإِذَا ابْتُدِئَ بِالْخَبَرِ عَنْهَا قَبْلَهَا، لَمْ يَدْخُلِ الشَّكُّ عَلَى سَامِعِ الْكَلَامِ فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، أَنَّ السُّورَةَ وَصْفٌ لِمَا ارْتَفَعَ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَفَرَضْنَاهَا‏)‏ فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏"‏وَفَرَضْنَاهَا‏"‏ وَيَتَأَوَّلُونَهُ‏:‏ وَفَصَّلْنَاهَا ونَزَّلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً‏.‏ وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا‏:‏ ‏"‏وَفَرَّضْنَاهَا‏"‏ يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَفَرَّضْنَاهَا‏"‏ قَالَ‏:‏ الْأَمْرُ بِالْحَلَالِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْحَرَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ‏.‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَفَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ النَّاسِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّأْمِ ‏(‏وَفَرَضْنَاهَا‏)‏ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَيْكُمْ، وَأَلْزَمْنَاكُمُوهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَّلَهَا، وأَنْزَلَ فِيهَا ضُرُوبًا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَمَرَ فِيهَا وَنَهَى، وَفَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ فِيهَا فَرَائِضَ، فَفِيهَا الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا‏:‏ التَّفْرِيضُ، وَالْفَرْضُ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ، وَالْبَيَانِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَفَرَضْنَاهَا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ بَيَّنَاهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَرَضْنَاهَا لِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهَا مِمَّا فَرَضَ فِيهَا، وَقَرَأَ فِيهَا‏:‏ ‏{‏آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَامَاتٍ وَدَلَالَاتٍ عَلَى الْحَقِّ بَيِّنَاتٍ، يَعْنِي وَاضِحَاتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَإِنَّهَا تَهْدِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْحُدُودُ ‏(‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِتَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ أَوْ زَنَتْ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ حُرٌّ بِكْرٌ غَيْرُ مُحْصَنٍ بِزَوْجٍ، فَاجْلِدُوهُ ضَرْبًا مِائَةَ جَلْدَةٍ، عُقُوبَةً لِمَا صَنَعَ وَأَتَى مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَا تَأْخُذُكُمْ بِالزَّانِي وَالزَّانِيَةِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَأْفَةٌ، وَهِيَ رِقَّةُ الرَّحْمَةِ فِي دِينِ اللَّهِ، يَعْنِي فِي طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا أَلْزَمَكُمْ بِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَخْذِ الرَّأْفَةِ بِهِمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ تَرْكُ إِقَامَةِ حَدِّ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ فَلَمْ تَأْخُذْهُمْ بِهِمَا رَأْفَةً فِي دِينِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ جَلَدَ ابْنُ عُمَرَ جَارِيَةً لَهُ أَحْدَثَتْ، فَجَلَدَ رِجْلَيْهَا، قَالَ نَافِعٌ‏:‏ وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَظَهَرَهَا، فَقُلْتُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ وَأَخَذَتْنِي بِهَا رَأْفَةٌ‏؟‏ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَقْتُلَهَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ‏:‏ ثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّ جَارِيَةً لَهُ، فَقَالَ لِلْجَالِدِ، وَأَشَارَ إِلَى رِجْلِهَا، وَإِلَى أَسْفَلِهَا، قُلْتُ‏:‏ فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَفَأَقْتُلُهَا‏؟‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ أَنْ تُقِيمَ الْحَدَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تُضَيِّعُوا حُدُودَ اللَّهِ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ‏:‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ‏}‏‏:‏ لَا تُضَيِّعُوا الْحُدُودَ فِي أَنْ تُقِيمُوهَا، وَقَالَهَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَحَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُقَامُ حَدُّ اللَّهِ وَلَا يُعَطَّلُ، وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ الْجَلْدُ‏.‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الضَّرْبُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِمْرَانَ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏)‏ إِنَّا لِنَرْحَمَهُمْ أَنْ يُجْلَدَ الرَّجُلُ حَدًّا، أَوْ تُقْطَعَ يَدُهُ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا ذَاكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِذَا رَفَعُوا إِلَيْهِ أَنْ يَدَعَهُمْ رَحْمَةً لَهُمْ حَتَّى يُقِيمَ الْحَدَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ‏}‏ فَتَدَعُوهُمَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَافْتَرَضَهَا عَلَيْهِمَ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ أَيْ فِي الْحُدُودِ أَوْ فِي الْعُقُوبَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ فِيهِمَا جَمِيعً‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمِلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنْ يُقَامَ حَدُّ اللَّهِ وَلَا يُعَطَّلَ، وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ‏}‏ فَتُخَفِّفُوا الضَّرْبَ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ أَوَجِعُوهُمَا ضَرْبًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجَلْدُ الشَّدِيدُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ يَحُدُّ الْقَاذِفُ وَالشَّارِبُ وَعَلَيْهِمَا ثِيَابُهُمَا‏.‏ وَأَمَّا الزَّانِي فَتُخْلَعُ ثِيَابُهُ‏.‏ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏ فَقُلْتُ لِحَمَّادٍ‏:‏ أَهَذَا فِي الْحُكْمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِي الْحُكْمِ وَالْجَلْدِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ يَجْتَهِدُ فِي حَدِّ الزَّانِي وَالْفِرْيَةِ، وَيُخَفِّفُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ‏.‏ وَقَالَ قَتَادَةُ‏:‏ يُخَفِّفُ فِي الشَّرَابِ، وَيَجْتَهِدُ فِي الزَّانِي‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي إِقَامَةِ حَدِّ اللَّهِ عَلَيْهِمَا الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ إِقَامَتَهُ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِدَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ بَعْدَهُ‏:‏ ‏"‏ فِي دِينِ اللَّهِ ‏"‏، يَعْنِي فِي طَاعَةِ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا‏.‏ وَمَعْلُومٌ أَنَّ دِينَ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ‏:‏ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، عَلَى مَا أَمَرَّ مِنْ جَلْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، مَعَ أَنَّ الشِّدَّةَ فِي الضَّرْبِ لَا حَدَّ لَهَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ضَرْبٍ أَوْجَعَ فَهُوَ شَدِيدٌ، وَلَيْسَ لِلَّذِي يُوجِعُ فِي الشِّدَّةِ حَدٌّ لَا زِيَادَةَ فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِهِ‏.‏ وَغَيْرُ جَائِزٍ وَصْفُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَا لَا سَبِيلَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي لِلْمَأْمُورِينَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ السَّبِيلُ، هُوَ عَدَدُ الْجِلْدِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَا قُلْنَا‏.‏ وَلِلْعَرَبِ فِي الرَّأْفَةِ لُغَتَانِ‏:‏ الرَّأْفَةُ بِتَسْكِينِ الْهَمْزَةِ، وَالرَّآفَةُ بِمَدِّهَا، كَالسَّأْمَةِ وَالسَّآمَةِ، وَالْكَأْبَةِ وَالْكَآبَةِ‏.‏ وَكَأَنَّ الرَّأْفَةَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَالرَّآفَةَ الْمَصْدَرُ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ضَؤُلَ ضَآلَةً مِثْلَ فَعُلَ فَعَالَةً، وَقَبُحَ قَبَاحَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَنَّكُمْ فِيهِ مَبْعُوثُونَ لِحَشْرِ الْقِيَامَةِ، وَلِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِذَلِكَ مُصَدِّقًا، فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ خَوْفَ عِقَابِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلْيَحْضُرْ جَلْدَ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ وَحَدَّهُمَا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَاحِدَ فَمَا زَادَ‏:‏ طَائِفَةً‏.‏ ‏(‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَبْلَغِ عَدَدِ الطَّائِفَةِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِشُهُودِ عَذَابِ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ أَقَلُّهُ وَاحِدٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ رَجُلٌ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ الْكِنَانِيُّ وَابْنُ الْقَوَّاسِ، قَالَا ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ رَجُلٌ‏.‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ الْقَوَّاسِ‏:‏ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا زَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ رَجُلٌ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ أَقَلُّهُ رَجُلٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ الْوَاحِدُ إِلَى الْأَلْفِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ وَاحِدٌ إِلَى الْأَلْفِ‏.‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ إِلَى الْأَلْفِ، قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏ إِنَّمَا كَانَا رَجُلَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يُونُسَ، يَقُولُ‏:‏ ثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ حَمَّادٍ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَا‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ رَجُلٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ أَقَلُّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ رَجُلَانِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ أَقَلُّهُ رَجُلَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ لِيَحْضُرْ رَجُلَانِ فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ أَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ‏:‏ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ أَتَيْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ فِي حَاجَةٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ جَارِيَةً إِلَى بَابِ الدَّارِ، وَقَدْ زَنَتْ، فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ‏:‏ اضْرِبْهَا خَمْسِينَ‏!‏ فَدَعَا جَمَاعَةً، ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَضْرِبَ جَارِيَةً لَهُ وَلَدَتْ مِنَ الزِّنَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، قَالَ‏:‏ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ أَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ الطَّائِفَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْحَدُّ أَرْبَعَةٌ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ أَقَلَّ مَا يَنْبَغِي حُضُورُ ذَلِكَ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ‏:‏ الْوَاحِدُ فَصَاعِدًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ‏}‏ وَالطَّائِفَةُ‏:‏ قَدْ تَقَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى الْوَاحِدِ فَصَاعِدًا‏.‏

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَضَعَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْعَدَدِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُضُورَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ أَدْنَى اسْمِ الطَّائِفَةِ ذَلِكَ الْمَحْضَرَ مُخْرِجٌ مُقِيمُ الْحَدِّ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ غَيْرَ أَنِّي وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ، أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِعَدَدِ مَنْ يَحْضُرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَنْفُسَ عَدَدَ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمْعِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْمُقِيمَ الْحَدِّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَعْضِ مَنِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ نِسْوَةٍ كُنَّ مَعْرُوفَاتٍ بِالزِّنَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكُنَّ أَصْحَابَ رَايَاتٍ، يَكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ‏:‏ الزَّانِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، لِأَنَّهُنَّ كَذَلِكَ؛ وَالزَّانِيَةُ مِنْ أُولَئِكَ الْبَغَايَا لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِكٌ مِثْلُهَا، لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ‏.‏

‏{‏وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ فِي قَوْلِ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْحَضْرَمِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ نَبِيَّ اللَّهِ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَاأُمُّ مَهْزُولٍ، كَانَتْ تُسَافِحُ الرَّجُلَ وَتَشْتَرِطُ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِيهَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا، قَالَ‏:‏ فَقَرَأَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ أَوْ قَالَ‏:‏ فَأُنْزِلَتْ ‏(‏الزَّانِيَةُ »‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي هَشِيمٌ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُنَّ نِسَاءً مَعْلُومَاتٍ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مِنْهُنَّ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ كُنَّ نِسَاءً مَوَارِدَ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي نِسَاءٍ مَوَارِدَ كُنَّ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ «كَانَ لِمَرْثَدٍ صَدِيقَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهَاعِنَاقُ، وَكَانَ رَجُلًا شَدِيدًا، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ دُلْدُلٌ، وَكَانَ يَأْتِي مَكَّةَ فَيَحْمِلُ ضَعْفَةَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَ صَدِيقَتَهُ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا، فَقَالَتْ‏:‏ أَنَّى تُبْرِزُ، فَخَشِيَ أَنْ تَشِيعَ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ لِي صَدِيقَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ تَرَى لِي نِكَاحَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ »‏)‏ قَالَ‏:‏ كُنَّ نِسَاءً مَعْلُومَاتٍ يُدْعَوْنَ‏:‏ الْقَيْلَقِيَّاتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَتِ امْرَأَةً مِنْهُنَّ يُقَالُ لَهَا‏:‏ أُمُّ مَهْزُولٍ؛ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ فَكُنَّ نِسَاءً مَعْلُومَاتٍ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مِنْهُنَّ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏ هَذَا فِي حَدِيثِ التَّيْمِيِّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ رِجَالٌ كَانُوا يُرِيدُونَ الزِّنَا بِنِسَاءٍ زَوَانٍ بَغَايَا مُتَعَالِمَاتٍ، كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا حَرَامٌ، فَأَرَادُوا نِكَاحَهُنَّ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نِكَاحَهُنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ بَغَايَا مُعْلِنَاتٌ، كُنَّ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٌ مِثْلُ رَايَاتِ الْبَيْطَارِ يُعْرَفْنَ بِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ نِسَاءٌ بَغَايَا مُتَعَالِمَاتٌ، حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ، لَا يَنْكِحُهُنَّ إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مُشْرِكٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَتْ بُيُوتٌ تُسَمَّى الْمَوَاخِيرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا يُؤَاجِرُونَ فِيهَا فَتَيَاتِهِنَّ، وَكَانَتْ بُيُوتًا مَعْلُومَةً لِلزِّنَا، لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَأْتِيهِنَّ إِلَّا زَانٍ مَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكٌ مَنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَغَايَا مُتَعَالِمَاتٌ كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، بَغِيُّ آلِ فُلَانٍ وَبَغِيُّ آلِ فُلَانٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فَحُكْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ‏.‏ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى‏:‏ أَبَلَغَكَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ‏:‏ كُنَّ بَغَايَا مُتَعَالِمَاتٍ، بَغِيُّ آلِ فُلَانٍ وَبَغِيُّ آلِ فُلَانٍ، وَكُنَّ زَوَانِيَ مُشْرِكَاتٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَحْكَمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ بِهَذَا‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَبَلَغَكَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ يُسَمِّي تِسْعًا بَعْدُ صَوَاحِبَ الرَّايَاتِ، وَكُنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الرَّايَاتِ‏:‏ أُمُّ مَهْزُولٍ جَارِيَةُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، وَأُمُّ عُلَيْطٍ جَارِيَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمِّيَّةَ، وَحِنَةُ الْقِبْطِيَّةُ جَارِيَةُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، وَمَرِيَّةُ جَارِيَةُ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السِّبَاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَحَلَالَةُ جَارِيَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمُّ سُوَيْدٍ جَارِيَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ، وَسُرَيْفَةُ جَارِيَةُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَفَرَسَةُ جَارِيَةُ هِشَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ جَبَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَقَرِيبًا جَارِيَةُ هِلَالِ بْنِ أَنَسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ نَمِرِ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ الزَّهْرِيُّ وقَتَادَةُ، قَالُوا‏:‏ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَغَايَا مَعْلُومٌ ذَلِكَ مِنْهُنَّ، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَهُ الزَّهْرِيُّ وقَتَادَةُ، قَالُوا‏:‏ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَغَايَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا يَتَّخِذُهَا مَأْكَلَةً، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ كُنَّ نِسَاءً مَوَارِدَ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّ نِسَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّ يُؤَاجِرْنَ أَنْفُسَهُنَّ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِنَّمَا يَنْكِحُ إِحْدَاهُنَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا عَرَضًا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَنَزَلَ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ وَمِنْهُنَّ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا‏:‏ أُمُّ مَهْزُولٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُنَّ نِسَاءً يَكْرِيَنَ أَنْفُسَهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَمَعْنَى النِّكَاحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْجِمَاعُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَزْنِي الزَّانِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْلِهِ أَوْ مُشْرِكَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَا هُوَ الْوَطْءُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَا هُوَ الْوَطْءُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَشُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَا لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْلِهِ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَلَا تَزْنِي مُشْرِكَةٌ إِلَّا بِمِثْلِهَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالنِّكَاحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْإِصَابَةُ، لَا يُصِيبُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، لَا يُحَرِّمُ الزِّنَا، وَلَا تُصِيبُ هِيَ إِلَّا مِثْلَهَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ إِذَا زَنَى بِهَا فَهُوَ زَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الزَّانِي مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْلِهِ أَوْ مُشْرِكَةٍ، قَالَ‏:‏ وَالزَّانِيَةُ مَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ مِثْلِهَا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي كُلِّ زَانٍ وَزَانِيَةٍ، حَتَّى نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏، فَأَحَلَّ نِكَاحَ كُلِّ مُسْلِمَةٍ وَإِنْكَاحَ كُلِّ مُسْلِمٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَرَوْنَ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُنَّ مَنَّ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ ذُكِرَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهَا قَدْ نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِالنِّكَاحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَطْءَ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْبَغَايَا الْمُشْرِكَاتِ ذَوَاتِ الرَّايَاتِ؛ وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ مِنَ الْمُسَلِّمَاتِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَأَنَّ الزَّانِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ عَلَيْهِ كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّهُ لَمْ يُعْنَ بِالْآيَةِ أَنَّ الزَّانِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْقِدُ عَقْدَ نِكَاحٍ عَلَى عَفِيفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ، وَلَا يَنْكِحُ إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ لَا تَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ بِمُشْرِكَةٍ تَسْتَحِلُّهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحُرِّمَ الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ هُوَ النِّكَاحُ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ يَشْتُمُونَ الْعَفَائِفَ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَا، ثُمَّ لَمَّ يَأْتُوا عَلَى مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ، عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ رَأَوْهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، فَاجْلِدُوا الَّذِينَ رَمَوْهُنَّ بِذَلِكَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَتِهِ فَفَسَقُوا عَنْهَا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَة، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَمَوْهَا بِهِ مِنَ الْإِفْكِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ خَصِيفٍ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ الزِّنَا أَشَدُّ، أَوْ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا بَلِ الزِّنَا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَة خاصَّةً‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ فِي نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْكَاذِبُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي اسْتُثْنِيَ مِنْهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ اسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ وَقَالُوا‏:‏ إِذَا تَابَ الْقَاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَزَالَ عَنْهُ اسْمُ الْفِسْقِ، حُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يَحُدْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍَةَ‏:‏ إِنْ تُبْتَ قَبِلْتُ شَهَادَتَكَ، أَوْ رَدَّيْتُ شَهَادَتَكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ حَدَّهُمْ‏.‏ وَقَالَ لَهُمْ‏:‏ مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُ فِيمَا اسْتَقْبَلَ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُ، فَأَكْذَبَ شِبْلٌ نَفْسَهُ وَنَافِعٌ، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَفْعَلَ‏.‏ قَالَ الزَّهْرِيُّ‏:‏ هُوَ وَاللَّهِ سُنَّةٌ، فَاحْفَظُوهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ إِذَا تَابَ، يَعْنِي‏:‏ الْقَاذِفُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ إِلَّا خَيْرٌ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبَ الْقَاذِفَ بَعْدَ الْجَلْدِ، فَإِنْ تَابَ وَأُونِسَ مِنْهُ خَيْرٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيعٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَاذِفِ‏:‏ إِذَا تَابَ وَعُلِمَ مِنْهُ خَيْرٌ، إِنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيعٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَتَوْبَتُهُ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ فِي الْقَاذِفِ‏:‏ إِذَا تَابَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِلَّا كَانَ خَلِيعًا لَا شَهَادَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي شَهَادَةِ الْقَاذِفِ‏:‏ إِذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حِينَ يُضْرَبُ، أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَتَرُدُّونَ شَهَادَتَهُ؛ وَكَانَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إِذَا تَابَ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْقَاذِفِ‏:‏ إِذَا شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْقَاذِفِ‏:‏ إِذَا شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُجْلَدَ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو بِشْرٍ، يَعْنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ يَقُولُ‏:‏ الْقَاذِفُ إِذَا تَابَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ‏:‏ كُنَّا نَقُولُهُ‏.‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ إِذَا تَابَ الْقَاذِفُ جُلِدَ، وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏ قَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ هَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي عَثْمَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا ابْنُ أَبِي عَثْمَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا إِذَا تَابَ الْقَاذِفُ عِنْدَ الْجَلْدِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ جَلَدَ رَجُلًا فِي قَذْفٍ، فَقَالَ‏:‏ أَكْذِبْ نَفْسَكَ حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيَّ يَتَذَاكَرَانِ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ لِمَ لَا تَقْبَلُ شَهَادَتَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لِأَنِّي لَا أَدْرِي تَابَ أَمْ لَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ‏:‏ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إِذَا تَابَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَمَعَهُ رَجُلٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ إِذَا تَابَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى‏.‏ قَالَ‏:‏ عِنْدِي، يَعْنِي فِي الْقَذْفِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَسْعَرٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ إِذَا تَابَ وَأَصْلَحَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، يَعْنِي الْقَاذِفَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ إِذَا حُدَّ الْقَاذِفُ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ، قَالَ‏:‏ كَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالَّذِينِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَتَابُوا إِلَّا أَبَا بَكْرَةَ، فَكَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏ فَقَدْ وُصِلَ بِالْأَبَدِ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُهَا أَبَدًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الشَّعْبِيُّ، قَالَ‏:‏ كَانَ شُرَيْحٌ يُجِيزُ شَهَادَةَ صَاحِبِ كُلِّ عَمَلٍ إِذَا تَابَ إِلَّا الْقَاذِفَ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَلَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الشَّعْبِيُّ، عَنْ شُرَيْحٍ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ صَاحِبُ كُلِّ حَدٍّ إِذَا كَانَ عَدْلًا يَوْمَ شَهِدَ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ‏.‏ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ، وَيَقُولُ‏:‏ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ شُرَيْحٍ فِي الْقَاذِفِ‏:‏ يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ أَتَاهُ خَصْمَانِ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ أَقْطَعَ، فَقَالَ الْخَصْمُ‏:‏ أَلَّا تَرَى مَا بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَدْ أَرَاهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَسَأَلَ الْقَوْمَ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ نُجِيزُ شَهَادَةَ كُلِّ صَاحِبِ حَدٍّ، إِذَا كَانَ يَوْمَ شَهِدَ عَدْلًا إِلَّا الْقَاذِفَ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ جَاءَ خَصْمَانِ إِلَى شُرَيحٍ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ، فَجَاءَ بِشَاهِدٍ أَقْطَعَ، فَقَالَ الْخَصْمُ‏:‏ أَلَّا تَرَى إِلَى مَا بِهِ‏؟‏ فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ قَدْ رَأَيْنَاهُ، وَقَدْ سَأَلْنَا الْقَوْمَ فَأَثْنَوْا خَيْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةً أَبَدًا، تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، يَعْنِي الْقَاذِفَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْأَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِأَنْ رَبَابًا قَطَعَ رَجُلًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، قَالَ‏:‏ فَقَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ، فَشَهِدَ عِنْدَ شُرَيْحٍ، فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ‏:‏ أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ عَلَيَّ وَهُوَ أَقْطَعُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ كُلُّ صَاحِبِ حَدٍّ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ؛ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلَّا الْقَاذِفَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ‏:‏، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ‏:‏ قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا، تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، قَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ يَعْنِي الْقَاذِفَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ قَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَتَهُ أَبَدًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ، تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْقَاذِفُ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَشَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ، تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْقَاذِفُ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَشَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُجْلَدُ الْحَدَّ، قَالَ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدً‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَلُ لَهُ شَهَادَةً أَبَدًا، وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، يَعْنِي الْقَاذِفَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَام» ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ أَبَدًا، إِنَّمَا تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ‏.‏ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ‏:‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ‏}‏ فَشَهَادَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تُقْبَلُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏ وَمِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏)‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِذَا لَمْ يُحَدَّ فِي الْقَذْفِ حَتَّى تَابَ، إِمَّا بِأَنْ يُرْفَعَ إِلَى السُّلْطَانِ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفَةِ عَنْهُ، وَإِمَّا بِأَنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِبٌ يَطْلُبُ بِحَدِّهَا، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَحَدَثَتْ مِنْهُ تَوْبَةٌ صَحَّتْ لَهُ بِهَا الْعَدَالَةُ‏.‏

فَإِذْ كَانَ مِنَ الْجَمِيعِ إِجْمَاعًا، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ شَرَطَ فِي كِتَابِهِ أَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا بَعْدَ الْحَدِّ فِي رَمْيِهِ، بَلْ نَهَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَدَّ، وَسَمَّاهُ فِيهَا فَاسِقًا، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي رَمْيِهِ، لَا تُحْدِثُ فِي شَهَادَتِهِ مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فِيهَا قَبْلَ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ تَوْبَتُهُ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِهِ أَحْرَى أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ مَعَهَا أَجَوَّزَ مِنْهَا قَبْلَ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَزِيدُ الْمَحْدُودَ عَلَيْهِ تَطْهِيرًا مِنْ جُرْمِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ فَتَكُونُ التَّوْبَةُ مُسْقِطَةً عَنْهُ الْحَدَّ، كَمَا كَانَتْ لِشَهَادَتِهِ عِنْدَكَ قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدِهِ مُجِيزَةٌ، وَلِاسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ مُزِيلَةٌ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ عِنْدَنَا لِلْمَقْذُوفَةِ، كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجِبُ لَهَا مِنْ جِنَايَةٍ يَجْنِيهَا عَلَيْهَا مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمِيعِ أَنَّ تَوْبَتَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَضَعُ عَنْهُ الْوَاجِبَ لَهَا مِنَ الْقِصَاصِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ تَوْبَتُهُ مِنَ الْقَذْفِ لَا تَضَعُ عَنْهُ الْوَاجِبَ لَهَا مِنَ الْحَدِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهَا، إِنْ شَاءَتْ عَفَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِهِ، فَتَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ إِنَّمَا تَضَعُ عَنِ الْعَبْدِ الْأَسْمَاءَ الذَّمِيمَةَ، وَالصِّفَاتِ الْقَبِيحَةَ، فَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فَلَا تَزُولُ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ الَّتِي تُقْبَلُ مَعَهَا شَهَادَتُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا حَضَرَنَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ قَبْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ‏:‏ تَوْبَةُ الْقَاذِفِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حَصِينٌ، قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ رَجُلًا ضُرِبَ حَدًّا فِي قَذْفٍ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ ضَرْبِهِ تَنَاوَلَ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ قَذَفِ الْمُحْصَنَاتِ، قَالَ‏:‏ فَلَقِيتُ أَبَا الزِّنَادِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا هَاهُنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَفْرَغُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ مَنِ اعْتَرَفَ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَانِيَةً أَنَّهُ قَالَ الْبُهْتَانَ، وَتَابَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَالنَّصُوحُ‏:‏ أَنْ لَا يَعُودُوا، وَإِقْرَارُهُ وَاعْتِرَافُهُ عِنْدَ الْحَدِّ حِينَ يُؤْخَذُ بِالْجَلْدِ، فَقَدْ تَابَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ تَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ صَلَاحُ حَالِهِ، وَنَدَمُهُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ، وَتَرْكُهُ الْعَوْدَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْجُرْمِ، وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ تَوْبَةَ كُلِّ ذِي ذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ تَرْكَهُ الْعَوْدَ مِنْهُ، وَالنَّدَمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَاسْتِغْفَارَ رَبِّهِ مِنْهُ، فِيمَا كَانَ مِنْ ذَنْبٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ، دُونَ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ عِبَادِهِ وَمَظَالِمِهِمْ بَيْنَهُمْ، وَالْقَاذِفُ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ، أَوْ عُفِيَ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا تَوْبَتُهُ مِنْ جُرْمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَسَبِيلُ تَوْبَتِهِ مِنْهُ سَبِيلُ تَوْبَتِهِ مِنْ سَائِرِ أَجْرَامِهِ، فَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ مَا وَصَفْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ جُرْمِهِمُ الَّذِي اجْتَرَمُوهُ بِقَذْفِهِمُ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ بَعْدِ اجْتِرَامِهِمُوهُ ‏(‏فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ سَاتِرٌ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا، فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ وَلَا تُسَمُّوهُمْ فَسَقَةً، بَلْ سَمُّوهُمْ بِأَسْمَائِهِمُ الَّتِي هِيَ لَهُمْ فِي حَالِ تَوْبَتِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ‏}‏ مِنَ الرِّجَالِ ‏(‏أَزْوَاجَهُمْ‏)‏ بِالْفَاحِشَةِ، فَيَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا، ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ‏}‏ يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِصِحَّةِ مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، ‏{‏فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏"‏أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ‏"‏ نَصْبًا، وَلِنَصْبِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ‏}‏ مَرْفُوعَةً بِمُضْمَرٍ قَبْلَهَا، وَتَكُونُ ‏"‏الْأَرْبَعُ‏"‏ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ‏:‏ فَعَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مَرْفُوعَةً بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ و‏"‏الْأَرْبَعُ‏"‏ مَنْصُوبَةً بِوُقُوعِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، كَمَا يُقَالُ‏:‏ شَهَادَتِي أَلْفُ مَرَّةٍ إِنَّكَ لَرَجُلُ سَوْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَرْفَعُ الْأَيْمَانَ بِأَجْوِبَتِهَا، فَتَقُولُ‏:‏ حَلَفَ صَادِقٌ لَأَقُومُنَّ، وَشَهَادَةُ عَمْرٍو لَيَقْعُدُنَّ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏{‏أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ‏}‏ بِرَفْعِ ‏"‏الْأَرْبَعِ‏"‏، وَيَجْعَلُونَهَا لِلشَّهَادَةِ مُرَافَعَةً، وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ الْكَلَامِ‏:‏ فَالَّذِي يُلْزِمُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ‏"‏ بِنَصْبِ أَرْبَعَ، بِوُقُوعِ ‏"‏الشَّهَادَةِ‏"‏ عَلَيْهَا، وَ ‏"‏الشَّهَادَةُ‏"‏ مَرْفُوعَةٌ حِينَئِذٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ قَبْلُ‏.‏ وَأَحَبُّ وَجِّهِيهِمَا إِلَيَّ أَنْ تَكُونَ بِهِ مَرْفُوعَةً بِالْجَوَابِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏)‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنْ الصَّادِقِينَ‏}‏ تَقُومُ مَقَامَ الشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي دَفْعِ الْحَدِّ عَنْهُ‏.‏ فَتُرِكَ ذِكْرُ‏:‏ تَقُومُ مَقَامَ الشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ، اكْتِفَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ، فَصَارَ مُرَافِعُ ‏"‏الشَّهَادَةِ‏"‏ مَا وَصَفْتُ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏}‏‏:‏ فَحَلْفُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ أَيْمَانٍ بِاللَّهِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَى زَوْجَتَهُ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ‏.‏ ‏(‏وَالْخَامِسَةُ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَالشَّهَادَةُ الْخَامِسَةُ، ‏{‏أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ لَهُ وَاجِبَةٌ وَعَلَيْهِ حَالَّةٌ، إِنْ كَانَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ، وَذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ «لِمَا نَزَلَتْ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ‏:‏ اللَّهِ إِنْ أَنَا رَأَيْتُ لَكَاعٍ مُتَفَخِّذَهَا رَجُلٌ فَقُلْتُ بِمَا رَأَيْتُ إِنَّ فِي ظَهْرِي لِثَمَانِينَ إِلَى مَا أَجْمَعَ أَرْبَعَةً قَدْ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ‏؟‏ ‏"‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَلُمْهُ، وَذَكَرُوا مَنْ غَيْرَتِهِ، فَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا بِكْرًا، وَلَا طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ فَرَجَعَ فِيهَا أَحَدٌ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْبَى إِلَّا ذَاكَ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَرَمَى امْرَأَتَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ، لَا يَجْعَلُ فِي ظَهْرِي ثَمَانِينَ أَبَدًا، لَقَدْ نَظَرْتُ حَتَّى أَيْقَنْتُ، وَلَقَدِ اسْتَسْمَعْتُ حَتَّى اسْتَشْفَيْتُ، قَالَ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِاللَّعَّانِ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ احْلِفْ‏!‏ فَحَلَفَ، قَالَ‏:‏ قِفُوهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَقَالَ‏:‏ لَا يُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ بِهَذَا أَبَدًا، كَمَا دَرَأَ عَنْهُ جَلْدَ ثَمَانِينَ، لَقَدْ نَظَرْتُ حَتَّى أَيْقَنْتُ، وَلَقَدِ اسْتَسْمَعْتُ حَتَّى اسْتَشْفَيْتُ فَحَلَفَ، ثُمَّ قِيلَ‏:‏ احْلِفِي، فَحَلَفَتْ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ قِفُوهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَقِيلَ لَهَا‏:‏ إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ‏:‏ لَا أُخْزِي قَوْمِي، فَحَلَفَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي قِيلَ فِيهِ مَا قِيلَ، قَالَ‏:‏ فَجَاءَتْ بِهِ غُلَامًا كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، فَكَانَ بَعْدُ أَمِيرًا بِمِصْرَ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ، أَوْ لَا يُدْرَى مَنْ أَبُوه» ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبَّادٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ‏:‏ لَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ لَوْ أَتَيْتُ لَكَاعِ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ لَآتِيِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ‏؟‏ ‏"‏قَالُوا‏:‏ لَا تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، مَا تَزَوَّجَ فِينَا قَطُّ إِلَّا عَذْرَاءَ وَلَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ قَالَ سَعْدٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ إِنِّي لِأَعْرِفُ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهَا حَقٌّ، وَلَكِنْ عَجِبْتُ لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعِ، قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَاللَّهِ لَا آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمِّيَّةَ مِنْ حَدِيقَةٍ لَهُ فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ، فَأَمْسَكَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً، فَوَجَدْتُ رَجُلًا مَعَ أَهْلِي، رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَتَاهُ بِهِ وَثَقُلَ عَلَيْهِ جِدًّا، حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ هِلَالٌ‏:‏ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لِأَرَى الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِكَ مِمَّا أَتَيْتُكَ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ، وَمَا قُلْتُ إِلَّا حَقًّا، فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فَرَجًا، قَالَ‏:‏ وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا‏:‏ ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْدٌ، أَيُجْلَدُ هِلَالُ بْنُ أُمِّيَّةَ، وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِهِ، فَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأَمْسَكَ أَصْحَابُهُ عَنْ كَلَامِهِ حِينَ عَرَفُوا أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ نَزَلَ حَتَّى فَرَغَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى‏:‏ ‏{‏أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَبْشِرْ يَا هِلَالُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فَرَجًا ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَرْسِلُوا إِلَيْهَا‏!‏‏"‏ فَجَاءَتْ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهَا، فَكَذَّبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ‏؟‏ ‏"‏ فَقَالَ هِلَالٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي لَقَدْ صَدَقْتُ، وَمَا قُلْتُ إِلَّا حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏عِنُوا بَيْنَهُمَا‏!‏‏"‏ قِيلَ لِهِلَالٍ‏:‏ يَا هِلَالُ اشْهَدْ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ‏:‏ يَا هِلَالُ اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ اللَّهِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ النَّاسِ، إِنَّهَا الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعَذَابَ فَقَالَ هِلَالٌ‏:‏ وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَ الْخَامِسَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ثُمَّ قِيلَ لَهَا‏:‏ اشْهَدِي، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ، فَقِيلَ لَهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ‏:‏ اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ اللَّهِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ النَّاسِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكِ الْعَذَابَ، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتِ الْخَامِسَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لَهَا، وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا»‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ «لَمَّا قَذَفَ هِلَالُ بْنُ أُمِّيَّةَ امْرَأَتَهُ، قِيلَ لَهُ‏:‏ وَاللَّهِ لَيَجْلِدَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، قَالَ‏:‏ اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَنِي ضَرْبَةً وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ حَتَّى اسْتَيْقَنْتُ، وَسَمِعْتُ حَتَّى اسْتَثْبَتُّ، لَا وَاللَّهِ لَا يَضْرِبُنِي أَبَدًا، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ، فَدَعَا بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتِ الْآيَةُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ‏؟‏ فَقَالَ هِلَالٌ‏:‏ وَاللَّهِ إِنِّي لِصَادِقٌ‏.‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ ‏"‏احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏:‏ إِنِّي لَصَادِقٌ‏"‏ يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فِعْلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏قِفُوهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ‏"‏، فَحَلَفَ، ثُمَّ قَالَتْ أَرْبَعًا‏:‏ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَعَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏قِفُوهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ‏"‏، فَتَرَدَّدَتْ وَهَمَّتْ بِالِاعْتِرَافِ، ثُمَّ قَالَتْ‏:‏ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَا ثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ كُنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنَّ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ اللَّعَّانِ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ بَعْدُ، فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ عَسَى أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا» ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، «عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنِينَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنْ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَانٌ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا رَأَى صَاحِبَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ‏؟‏ فَلَمْ يَجُبْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، قَالَ‏:‏ فَأَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ النُّورِ، فَدَعَا الرَّجُلَ فَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَمَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، قَالَ‏:‏ وَدَعَا الْمَرْأَةَ فَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَقَالَتْ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، وَمَا رَأَى شَيْئًا؛ قَالَ‏:‏ فَبَدَأَ الرَّجُلُ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏:‏ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ؛ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ شَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ «لَمَّا أَنْزَلَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ‏:‏ إِنْ أَنَا رَأَيْتُ فَتَكَلَّمْتُ جُلِدْتُ ثَمَانِينَ، وَإِنْ أَنَا سَكَتُّ سَكَتُّ عَلَى الْغَيْظِ، قَالَ‏:‏ فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَةً، حَتَّى كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا»‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، وَالْخَامِسَةُ‏:‏ أَنْ يُقَالَ لَهُ‏:‏ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏.‏ وَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهِ رُجِمَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏:‏ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنْ يُقَالَ لَهَا‏:‏ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْكِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِلَالُ بْنُ أُمِّيَّةَ‏:‏ وَالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ شَرِيكُ بْنُ سَحْمَاءَ، وَالَّذِي اسْتَفْتَى عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ «أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنِ الْمُلَاعَنَةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ‏؟‏ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرْأَتِكَ، فَتَلَاعَنَا وَأَنَا شَاهِدٌ‏"‏ ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَهُ، فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّ ابْنَهَا يَرِثُهَا، وَتَرِثُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا»‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ خَمْسَ شَهَادَاتٍ، فَقَدْ بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرِ، وَعِدَّتُهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلَا يُجْلَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَالرَّجْمُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 9‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ‏}‏‏:‏ وَيَدْفَعُ عَنْهَا الْحَدَّ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْعَذَابِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ يَدْرَؤُهُ عَنْهَا شَهَادَاتُهَا الْأَرْبَعُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ الْحَدَّ جَلْدُ مِائَةٍ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوِ الرَّجْمُ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا قَدْ أَحْصَنَتْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ الْحَبْسُ، وَقَالُوا‏:‏ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا إِنْ هِيَ لَمْ تَشْهَدِ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ شَهَادَاتِ الزَّوْجِ الْأَرْبَعِ، وَالْتِعَانِهِ‏:‏ الْحَبْسُ دُونَ الْحَدِّ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا إِذَا هِيَ امْتَنَعَتْ مِنَ الِالْتِعَانِ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ الْحَدُّ الَّذِي وَصَفْنَا، قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ إِذَا زَالَ عَنِ الزَّوْجِ بِالشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى تَصْدِيقِهِ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ، أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، فَجَعَلَ اللَّهُ أَيْمَانَهُ الْأَرْبَعَ، وَالْتِعَانَهُ فِي الْخَامِسَةِ مَخْرَجًا لَهُ مِنَ الْحَدِّ الَّذِي يَجِبُ لَهَا بِرَمْيهِ إِيَّاهَا، كَمَا جَعَلَ الشُّهَدَاءَ الْأَرْبَعَةَ مَخْرَجًا لَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَزَائِلًا بِهِ عَنْهُ الْحَدَّ، فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ بِزَوَالِ الْحَدِّ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا حَدُّهَا، كَمَا كَانَ بِزَوَالِهِ عَنْهُ بِالشُّهُودِ وَاجِبًا عَلَيْهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا الْعِلَلَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ اللَّعَّانِ مِنْ كِتَابِنَا الْمُسَمَّى ‏[‏لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ‏]‏، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَيَدْفَعُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ أَرْبَعَ أَيْمَانٍ‏:‏ أَنَّ زَوْجَهَا الَّذِي رَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، لِمَنِ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا مِنَ الزِّنَا، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ وَالشَّهَادَةُ الْخَامِسَةُ‏:‏ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ زَوْجُهَا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا مِنَ الصَّادِقِينَ‏.‏ وَرَفَعَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏وَالْخَامِسَةُ‏)‏ فِي كِلْتَا الْآيَتَيْنِ، بِأَنَّ الَّتِي تَلِيهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَرَحْمَتُهُ بِكُمْ، وَأَنَّهُ عَوَّادٌ عَلَى خَلْقِهِ بِلُطْفِهِ وَطُولِهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَسِيَاسَتُهُ لَهُمْ، لَعَاجَلَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعَاصِيكُمْ وَفَضَحَ أَهْلَ الذُّنُوبِ مِنْكُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَتَرَكَ فَضِيحَتَكُمْ بِهَا عَاجِلًا رَحْمَةً مِنْهُ بِكُمْ، وَتُفَضِّلَا عَلَيْكُمْ، فَاشْكُرُوا نِعَمَهُ وَانْتَهُوا عَنِ التَّقَدُّمِ عَمَّا عَنْهُ نَهَاكُمْ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَتَرَكَ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ، اكْتِفَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ الْمُرَادَ مِنْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ‏{‏عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ‏.‏ ‏{‏لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَظُنُّوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْكِ شَرًّا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ، بَلْ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِلْمَرْمِيِّ بِهِ وَيُظْهِرُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا رُمِيَ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏‏:‏ جَمَاعَةً، مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ‏:‏ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ‏:‏ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي فِي الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ، وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ وَأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَهُوَ يُقَالُ فِي آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ؛ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ هُمْ أَصْحَابُ عَائِشَة، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرُهُ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ، وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ الَّذِينَ قَالُوالِ عَائِشَة الْإِفْكَ وَالْبُهْتَانَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّرُّ لَكُمْ بِالْإِفْكِ الَّذِي قَالُوا، الَّذِي تَكَلَّمُوا بِهِ، كَانَ شَرًّا لَهُمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُقِلْهُ، إِنَّمَا سَمِعَهُ، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ أَوَّلُ شَيْءٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِكُلِ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ جَزَاءَ مَا اجْتَرَمَ مِنَ الْإِثْمِ، بِمَجِيئِهِ بِمَا جَاءَ بِهِ، مِنَ الْأُولَى عَبْدُ اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِي تَحَمَّلُ مُعْظَمَ ذَلِكَ الْإِثْمِ وَالْإِفْكِ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ‏.‏

كَمَا حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الَّذِي بَدَأَ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَصْحَابُ عَائِشَة عبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَمِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏كِبْرَهُ‏)‏ فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏كِبْرَهُ‏)‏ بِكَسْرِ الْكَافِ، سِوَى حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ ‏"‏كُبْرَهُ‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ وَالَّذِي تَحَمَّلُ أَكْبَرَهُ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏:‏ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا عَوَامُّ الْقُرَّاءِ، وَهِيَ كَسْرُ الْكَافِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْكِبْرَ بِالْكَسْرِ‏:‏ مَصْدَرُ الْكَبِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَأَنَّ الْكِبَرَ بِضَمِّ الْكَافِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ هُوَ كِبْرُ قَوْمِهِ، وَالْكِبْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ هُوَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ مُعْظَمِ الْإِثْمِ وَالْإِفْكِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْكَسْرُ فِي كَافِّهِ هُوَ الْكَلَامُ الْفَصِيحُ دُونَ ضَمِّهَا، وَإِنْ كَانَ لِضَمِّهَا وَجْهٌ مَفْهُومٌ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ‏}‏ الْآيَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُسْلِمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، أَنْ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْ شِعْرِ حَسَّانَ، وَمَا تَمَثَّلْتُ بِهِ إِلَّا رَجَوْتُ لَهُ الْجَنَّةَ، قَوْلُهُ لِأَبِي سُفْيَانَ‏:‏

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنِْهُ *** وَعِنِْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ

فِإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي *** لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُِمْ وقِاءُ

أَتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُِفْءٍ *** فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمِا الْفِدَاءُ

لِسِانِي صَارِمٌ لَا عَيِْبَ فِيهِ *** وبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ

فَقِيلَ‏:‏ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا‏؟‏ قَالَتْ؛ لَا إِنَّمَا اللَّغْوُ مَا قِيلَ عِنْدَ النِّسَاءِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ قَالَتْ‏:‏ أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، أَلَيْسَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَكُنِّعَ بِالسَّيْفِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَة، فَدَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَمَرَتْ، فَأُلْقِي لَهُ وِسَادَةٌ؛ فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُلِ عَائِشَة‏:‏ مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ مَا قَالَ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ‏:‏ ذَهَابُ بَصَرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ‏:‏ دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَة، فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ‏:‏

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

فَقَالَتْ عَائِشَة‏:‏ أَمَّا إِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، فَقُلْتُ‏:‏ تَدَّعِينَ هَذَا الرَّجُلَ يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏}‏ الْآيَةَ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى، وَقَالَتْ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عِرْفَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ‏:‏ تَفَاخَرَتْ عَائِشَة وَزَيْنَبُ، قَالَ‏:‏ فَقَالَتْزَيْنَبُ‏:‏ أَنَا الَّتِي نَزَلَ تَزْوِيجِي مِنَ السَّمَاءِ قَالَ‏:‏ وَقَالَتْ عَائِشَة‏:‏ أَنَا الَّتِي نَزَلَ عُذْرِي فِي كِتَابِهِ حِينَ حَمَلَنِي ابْنُ الْمُعَطَّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَقَالَتْ لَهَازَيْنَبُ‏:‏ يَا عَائِشَة، مَا قُلْتِ حِينَ رَكِبْتِيهَا، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَتْ‏:‏ قُلْتِ كَلِمَةَ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ كَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ‏:‏ الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَمِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَغَيْرِهِ أَيْضًا، قَالُوا‏:‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏:‏ الَّذِي يَجْمَعُهُمْ فِي بَيْتِهِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَاصٍّ، وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ كَانَ الَّذِي تُوَلَّى كِبْرَهُ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا‏}‏ الْآيَة، الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَحَسَّانُ، وَمِسْطَحٌ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فِي ‏{‏الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ‏}‏ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ كِبْرُ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَأَخْبَرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْهُمْ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ أَمَّا الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ الْخَبِيثُ، هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ هَذَا الْكَلَامَ، وَقَالَ‏:‏ امْرَأَةُ نَبِيِّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُلٍ حَتَّى أَصْبَحَتْ، ثُمَّ جَاءَ يَقُودُ بِهَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏}‏ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَهُوَ بَدَأَهُ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏:‏ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْ عُصْبَةِ الْإِفْكِ، كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ، أَنَّ الَّذِي بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِفْكِ، وَكَانَ يَجْمَعُ أَهْلَهُ وَيُحَدِّثُهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَفِعْلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتُ كَانَ تَوَلِّيهِ كِبَرَ ذَلِكَ الْأَمْرِ‏.‏

وَكَانَ سَبَبُ مَجِيءِ أَهْلِ الْإِفْكِ، مَا حَدَّثْنَا بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ، ثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَة زوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَة، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدَّقُ بَعْضًا‏:‏

زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَة زوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا‏.‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنَزَلَ فِيهِ فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَّلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، قَالَتْ‏:‏ وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقْلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَّلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي وَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ‏.‏ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السِّلْمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلَوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يُرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏كَيْفَ تِيكُمْ‏؟‏ ‏"‏فَذَلِكَ يُرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقِهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَأُمِّ مِسْطَحٍقِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَاوَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَاابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَاوَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍقِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْأُمُّ مِسْطَحٍفِي مَرْطِهَا، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا‏:‏ بِئْسَ مَا قُلْتِ‏!‏ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَيْ هَنْتَاهْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا قَالَ‏؟‏ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَيْفَ تِيكُمْ‏؟‏ ‏"‏ فَقُلْتُ‏:‏ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏نَعَمْ‏"‏، قَالَتْ‏:‏ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسَتَثْبِتَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي‏:‏ أَيْ أُمَّتَاهَ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا‏.‏ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَخْلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ لِأُمِّي‏:‏ مَا يُبْكِيهَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ مَا قِيلَ لَهَا، فَأَكَبَّ يَبْكِي، فَبَكَى سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ‏:‏ اسْكُتِي يَا بُنَيَّةُ، فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلِيَ الْمُقْبِلَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقَبِّلَةَ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى ظَنَّ أَبَوَايَ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَفْلِقُ كَبِدِي‏.‏

فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ‏:‏ فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوِدِّ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا‏.‏ وَأَمَّا عَلَيٌّ فَقَالَ‏:‏ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تُصَدِّقُكَ، يَعْنِي‏:‏ بِرَيْرَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَة‏؟‏ ‏"‏ قَالَتْ لَهُبِرَيْرَةُ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ يَعْذُرُنِي مِمَّنْ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي‏؟‏ ‏"‏ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْضًا‏:‏ ‏"‏يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي‏؟‏ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي‏"‏ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ‏:‏ أَنَا أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ؛ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ‏:‏ أَيْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لَعُمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ‏:‏ كَذَّبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلُنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي بَيْتِ أَبَوَيَّ، فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي؛ قَالَتْ‏:‏ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ عِنْدِي، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ‏:‏ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَة، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلُصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ دَمْعَةً، قُلْتُ لِأَبِي‏:‏ أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِأُمِّي‏:‏ أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ‏:‏ إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَرَفْتُ أَنْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا، حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، حَتَّى كِدْتُمْ أَنْ تُصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ‏:‏ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ ثُمَّ تَوَلَّيْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنِْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌّ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّهُ لُيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، كَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَبْشِرِي يَا عَائِشَة، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَكِ‏!‏‏"‏ فَقَالَتْ لِي أُمِّي، قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ بَرَاءَةً لِي‏.‏ قَالَتْ‏:‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَلِ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏(‏غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ إِنِّي لِأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ‏:‏ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا‏.‏

قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍعَنْ أَمْرِي، وَمَا رَأَتْ، وَمَا سَمِعَتْ، فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَاحَمْنَةُتُحَارِبُ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ بْنُ شِهَابٍ‏:‏ هَذَا الَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللِّيْثِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ لَهُ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ كُلَّ الَّذِي قَدْ حَدَّثَنِي‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ؛ قَالَ‏:‏ وَثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَ‏:‏ وَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ وَكُلٌّ قَدِ اجْتَمَعَ فِي حَدِيثِهِ قِصَّةَ خَبَرِ عَائِشَة عنْ نَفْسِهَا، حِينَ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِيهَا مَا قَالُوا، وَكُلُّهُ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، وَيُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بَعْضٌ، وَكُلٌّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةٌ، وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ‏.‏

قَالَتْ عَائِشَة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلَقِ، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ، فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قَالَتْ‏:‏ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعَلَقَ، لَمْ يُهَيِّجْهُنَّ اللَّحْمُ فَيَثْقُلْنَ؛ قَالَتْ‏:‏ وَكُنْتُ إِذَا رَحَلَ بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمُ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِي بِعِيرِي وَيَحْمِلُونِي، فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ يَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ؛ قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجَهَ قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، نَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ‏.‏ فَلَمَّا ارْتَحَلَ النَّاسُ، خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي مِنْ جَزَعِ ظَفَارِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَمَا أَدْرِي؛ فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الرَّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، قَالَتْ‏:‏ فَرَجَعْتُ عَوْدِي إِلَى بَدْئِي، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ، وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي الْبَعِيرَ‏.‏

ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ ثَوْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ‏:‏ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنَيِ الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا وَمَا عَلِمْتُ فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي سُوءًا قَطُّ، وأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءًا قَطُّ، وَلَا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا أَغِيبُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي‏"‏ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْأُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍمِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ‏:‏ كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانُوا مِنَ الْأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي الْمَسْجِدِ شَرٌّ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِيأُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقَلْتُ عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ، قُلْتُ‏:‏ عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ‏؟‏ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ‏:‏ عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، قُلْتُ‏:‏ فِي أَيِّ شَأْنِي، فَبَقَرَتْ لِيَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ‏:‏ وَقَدْ كَانَ هَذَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ وَاللَّهِ، قَالَتْ‏:‏ فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي فَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ لَهُ، وَلَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَوَعَكْتُ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِيَ الْغُلَامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَإِذَا أَنَا بِأُمِّيأُمِّ رُومَانَ، قَالَتْ‏:‏ مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ‏؟‏ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ‏:‏ خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقُلْنَ فِيهَا، قُلْتُ‏:‏ وَقَدْ عَلِمَ بِهَا أَبِي‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَرَسُولُ اللَّهِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، فَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي‏:‏ مَا شَأْنُهَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ‏:‏ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ‏.‏

فَرَجَعْتُ، فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ، عَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَة، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ أَلْمَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ‏"‏ وَقَدْ جَاءَتِْ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقُلْتُ‏:‏ أَلَّا تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا‏؟‏ فَقُلْتُ لِأَبِي‏:‏ أَجِبْهُ، فَقَالَ‏:‏ أَقُولُ مَاذَا‏؟‏ قُلْتُ لِأُمِّي‏:‏ أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ‏:‏ أَقُولُ مَاذَا‏؟‏ فَلَمَّا لَمَّ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَا بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ وَأَشْرَبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَايْمُ اللَّهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمَا أَحْفَظُ اسْمَهُ‏:‏ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ وأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَتَئِذٍ، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لِأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ أَبْشِرِي يَا عَائِشَة، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ‏"‏ فَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ‏:‏ قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُكُمَا، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ، وَلَكِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي‏.‏ وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْتِي، فَسَأَلَ الْجَارِيَةَ عَنِّي، فَقَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ حَتَّى كَانَتْ تَدْخُلُ الشَّاةُ فَتَأْكُلُ حَصِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا، فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهَا‏:‏ اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُرْوَةُ‏:‏ فَعَتَبَ عَلَى مَنْ قَالَهُ، فَقَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ، فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ فَأَمَّازَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍفَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّاحَمْنَةُأُخْتُهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ‏:‏ الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَمِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ‏}‏‏.‏ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، ‏{‏أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِسْطَحًا ‏{‏أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَنَا، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ لِمِسْطَحٍ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ أَيْضًا، قَالَ‏:‏ خَرَجَتْ عَائِشَة ترِيدُ الْمَذْهَبَ وَمَعَهَاأُمُّ مِسْطَحٍ، وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ مِمَّنْ قَالَ مَا قَالَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي‏؟‏ ‏"‏ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ‏:‏ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَّا مَعْشَرَ الْأَوْسِ جَلَدْنَا رَأْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا فَأَطَعْنَاكَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ‏:‏ يَا بْنَ مُعَاذٍ، وَاللَّهِ مَا بِكَ نُصْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ ضَغَائِنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِحَنٌ لَمْ تُحَلَّلْ لَنَا مِنْ صُدُورِكُمْ بَعْدُ، فَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ‏:‏ اللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتُ، فَقَامَ أَسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ‏:‏ يَا بْنَ عُبَادَةَ، إِنَّ سَعْدًا لَيْسَ شَدِيدًا، وَلَكِنَّكَ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، وَتَدْفَعُ عَنْهُمْ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ فِي الْحَيَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَمَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى النَّاسِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، حَتَّى هَدَأَ الصَّوْتُ‏.‏

وَقَالَتْ عَائِشَة‏:‏ كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَالَّذِي يَجْمَعُهُمْ فِي بَيْتِهِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، قَالَتْ‏:‏ فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَذْهَبِ وَمَعِيأُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ‏:‏ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِكِ وَلِصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا شَعَرْتُ بِالَّذِي كَانَ، فَحُدِّثْتُ، فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، حَتَّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا،

وَرَجَعْتُ عَلَى أَبَوَيَّ‏:‏ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمِّ رُومَانَفَقُلْتُ‏:‏ أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّهَ فِيَّ وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي‏؟‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالَّذِي تُحَدِّثُوا بِهِ وَلَمْ تُعْلِمَانِي، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ، وَاللَّهِ لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُلٌ قَطُّ امْرَأَتَهُ إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْوَ الَّذِي قَالُوا لَكِ، أَيْ بُنَيَّةُ ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ حَتَّى نَأْتِيَكِ فِيهِ، فَرَجَعْتُ وَارْتَكَبَنِي صَالِبٌ مِنْ حُمَّى، فَجَاءَ أَبَوَايَ فَدَخَلَا وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرِي وَجَاهِي، فَقَالَا أَيْ بُنَيَّةُ، إِنْ كُنْتِ صَنَعْتِ مَا قَالَ النَّاسُ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَإِنْ لَمْ تَكُونِي صَنْعَتَيْهِ فَأَخْبِرِي رَسُولَ اللَّهِ بِعُذْرِكِ، قُلْتُ‏:‏ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ إِلَّا كَأَبِي يُوسُفَ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ قَالَتْ‏:‏ فَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا قَدَرْتُ، أَوْ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَشَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى السَّقْفِ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَجَدَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا‏}‏ فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ، وأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا زَالَ يَضْحَكُ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى نَوَاجِذِهِ سُرُورًا، ثُمَّ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ يَا عَائِشَة أبْشِرِي، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ‏"‏ قُلْتُ‏:‏ بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ، وَلَا بِحَمْدِ أَصْحَابِكَ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ‏}‏ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏(‏وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ بَلَى، أَيْ رَبِّ، فَعَادَ إِلَى الَّذِي كَانَ لِمِسْطَحٍ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَنِْزِلَ فِيَّ كِتَابٌ وَلَا أَطْمَعُ بِهِ، وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا تُذْهِبُ مَا فِي نَفْسِهِ، قَالَتْ‏:‏ وَسَأَلَ الْجَارِيَةَ الْحَبَشِيَّةَ فَقَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِلَ عَائِشَة أطْيَبُ مِنْ طِيبِ الذَّهَبِ، وَمَا بِهَا عَيْبٌ إِلَّا أَنَّهَا تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلُ عَجِينَهَا، وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعَتْ مَا قَالَ النَّاسُ لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ، قَالَ‏:‏ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ فِقْهِهَا‏.‏